إن كل مؤمن يستشعر السلام في كل صلاة بقوله: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" وعقب كل صلاة بقوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".. ولذلك فلم يكن غريباً أن يحرص أتباع هذا الدين العظيم على نشر السلام والأمن والاستقرار في كل أرجاء الأرض التي بسطوا نفوذهم عليها فكانوا بحق دعاة سلم وسلام على مدى الزمان.. وها نحن اليوم نشهد تجسيداً عملياً لهذا الأمر تمثل في إطلاق الجزائر لمبادرتها المباركة الداعية إلى السلام قاطعة بذلك الطريق على دعاة الحرب والقتال ومفوتة الفرصة على أولئك المتربصين بأمتنا .
مفهوم السلـم:
السلم هو الحوار والتعايش والتفاهم بين مختلف الشعوب والحضارات، وهو يقتضي التفكير في العيش
كمجموعة واحدة مثل الإخوة إلا فالموت يتهدد الجميع.
يتخذ السلم شارات مختلفة للدلالة عليه مثل الحمامة البيضاء وغصن الزيتون، بالإضافة إلى عدة رموز
وعبارات بمختلف اللغات.
2 – أنواع السلم وخصائصه:
1) السلم السياسي : ويقتضي نبذ الحروب والنزاعات المسلحة واعتماد المفاوضات لحل الخلافات
بين الشعوب.
2) السلم البيئي: ويعني المحافظة على البيئة والاستغلال العقلاني للثروات الطبيعية مع حماية التنوع
البيولوجي.
3) السلم الاقتصادي/الاجتماعي: وهو التوافق بين أطراف العملية الإنتاجية، والاستخدام السلمي للعلم والتكنولوجيا.
معوقات السلام: (أسباب الحروب
إن أولئك الذين ينشدون السلام قد واجهوا العديد من العوائق التي تحول دون السلام أو بعبارة أخرى إن هناك العديد من الأسباب لنشوب الحروب بين دول العالم، هي:
1- العنصرية :
حيث نجد الاعتقاد بتفوق الجنس الأبيض سببا في استعباد الشعوب المختلفة للدول الأوروبية كما أن الاعتقاد بتفوق العنصر الآري كان سببا في نشوب الحرب العالمية الثانية.
2-الاختلافات الثقافية:
حيث تولّد هذه الاختلافات الشك وسوء الفهم والصراع ومنها الأيديولوجيات المختلفة - خاصة الشيوعية والرأسمالية – والتي تنشط المخاوف المنعكسة في توترات الحرب الباردة والحروب المحدودة كما في كوريا وسباق التسلح النووي المستمر والمكثف.
3-القومية وارتباطها بالسيادة:
فمنذ بزوغ الدولة القومية الحديثة في القرن الخامس عشر وكل حكومة تغرس في مواطنيها الإيمان غير المشكوك فيه بصواب قيمهم وتقاليدهم مما جعل الناس يتمنون الموت لأسباب مرتبطة إما بالدفاع عن دولتهم أو بإضافة المزيد من الأراضي لدولتهم.
ونظام الدولة القومية مرتبط بعقيدة السيادة ، والذي يؤكد على الحق المطلق لكل دولة في إتباع الخطوة المستقلة بفعل لا مبالٍ للعواقب وأن تفعل ذلك بدون تدخل خارجي لما تعتبره مصلحة حيوية ، وهذا المفهوم كان له أثر كبير في رفض الجهود لتحقيق السلام من خلال المنظمات الدولية أو الفعل الجماعي .
4-الظروف الاقتصادية:
حيث نجد أن هذه الظروف تقف كعائق للسلام مثل الرأسمالية التي تقف ضد الشيوعية وذلك للأسباب التالية:
أ- تزايد التنافسات بين الدول التي تملك والدول التي لا تملك.
ب- ظهور الاستياء من دول العالم الثالث.
ج- الصراع على اكتساب المصادر الطبيعية الحيوية أو السيطرة عليها.
5- الشخصية العنيفة:
وتعتبر إحدى المعوقات الخطيرة التي تقلق الجنس البشري ، وللمنظرين عدد من التفسيرات لهذه الرغبة الظاهرة في القتال ، وتدور هذه التفسيرات حول ما إذا كان عنف الشخصية بالفطرة أم بالاكتساب ، فالذين يرون أن عنف الشخصية بالفطرة لهم تفسيران:
أ- أن هذا العنف مرتبط بعمليات تطورية طويلة الأمد والتي تبقى قوية وتنقل جرأتها إلى الأجيال اللاحقة .
ب- أن هذا العنف عبارة عن خاصية جسدية مرتبطة بعمليات بيوكيميائية .
6- التأثير المحدود لأفكار السلام:
وهي العقبة الأخيرة حيث تقتصر الأنشطة والجهود بشكل واسع في شمال أمريكا وغرب أوروبا . وبناء عليه فإن الشعوب والمناطق الجغرافية الواسعة تترك الغير مألوف لديها بالإضافة إلى الإدانات لأولئك الذين يؤمنون بالسلام. وفي هذه الأقاليم تكون الأفكار التي تدور حول الصراع هي المقبولة دائماً، ويواجه القادة السياسيين (غالباً ما لهم خلفية عسكرية ) ضغطاً بسيطاً في تعقب الخيارات الأخرى. وفي أي مكان ينشط فيه عمال السلام يكون تأثيرهم محدوداً في إقناع الناس بأن الحروب ضارة بشكل أساسي ، وأنه هناك بديل لحل النزاعات بشكل سلمي.
يرزح الشعب الفلسطيني الأبي في قطاع غزة العزة تحت نير الحصار الصهيوني الجائر الذي منع عن العزل أساسيات الحياة من الغذاء والماء والكهرباء والمحروقات... كما منع عن الأطفال والشيوخ والمرضى الحليب والأدوية، وأغلق كل المعابر الحدودية في مشهد همجي جبان... كما يعاني هذا الشعب البطل ويلات الغارات الجوية الغادرة وتوغلات الآلة العسكرية الصهيونية الغاصبة التي يسقط جراءها يوميا عشرات الضحايا والمعطوبين والشهداء.
إن العجرفة والغطرسة الصهيونيتين لم يثنيا الشعب الفلسطيني البطل عن صناعة ملحمة أخرى من الثبات والصمود عنوانها المقاومة والممانعة في تحد شجاع لآلة القمع والحصار الصهيونيين.
لا غرابة في أن يفرض الكيان الصهيوني حصاره ويكثف هجماته وقصفه الغادر على الأبرياء والعزل في قطاع غزة مباشرة بعد زيارة بوش الاستعمارية الداعمة للكيان الصهيوني، زيارة استطاعت أن تحشد موافقة الأنظمة العربية المنبطحة على الانخراط أو الصمت عن مخططات السيطرة في المنطقة العربية برمتها واستغلال مواردها وإرهاب شعوبها ومحاصرة شرفائها وأحرارها.
إن ما يصنعه الكيان الصهيوني الغاصب ضد إخواننا الفلسطينيين العزل هو جريمة إنسانية نكراء، وكارثة بشرية بشعة، وهو خرق سافر للمواثيق العالمية لحقوق الإنسان، وتجاوز فضيع لشعارات الديمقراطية والشرعية الدولية... التي يتبجح بها الغرب.
إننا وبصفتنا قطبا من أقطاب الأمة العربية , نعلن ما يلي:
1- تنديدنا الصارخ بالحصار الغاشم المضروب على شعبنا في فلسطين السليبة عموما، وفي قطاع غزة العزة على وجه الخصوص.
2- مناشدتنا المجتمع الدولي التدخل العاجل لوقف فصول هذه الكارثة الإنسانية في حق أبناء ونساء وشيوخ وسيادة الشعب الفلسطيني.
3- دعوتنا الفصائل الفلسطينية إلى نبذ الخلافات جانبا وتوحيد الصف للتصدي للعدو الغاصب.
4- استعدادنا الكامل للانخراط في كل التحركات الشعبية والأهلية وطنيا ومحليا الرامية إلى ممارسة الضغط على صناع القرار في اتجاه فك الحصار ووقف مسلسل الاعتداءات والهجمات العسكرية في الضفة والقطاع.
5- مطالبة جميع من له كلمة في الأمة عدم التخلي على أي مطلب من مطالب الفلسطينيين , أهمها حق العودة للاجئين وكون القدس عاصمة لدولة فلسطين.
6- التمسك بالحق المشروع للأمم وهو حق الشعوب في مقاومة الاستعمار
إن التاريخ الآن يسجل أخس الأمثلة في ازدواجية المعايير الأممية وفي الميز العنصري والاستهتار بالإنسان مهما كان طفلا أو مريضا أو عجوزا، لا لشيء إلا لأنه عربي ولأنه مسلم ولأن جلاده صهيوني حاقد يلقى كل الدعم من قبل رواد الحضارة المعاصرة، كما يسجل هذا التاريخ ذروة الانهيار في الموقف العربي والإسلامي الرسمي إذا لم يهبّ لإنقاذ القطاع من التدمير الحقيقي الذي يتعرض له...